مشاركات لطالبات المتوسطه21بتبوك بمناسبة شفاء خادم الحرمين الشريفين حفظه الله

يحتاج المرء حتى ينضج معرفيا إلى جهد ثماني حجج دأبا، فإن أتم عشرا فمن عنده، وما أريد أن أشق عليه، كما حصل مع خدمة موسى في بني مدين، ولكن بجهد متتابع بدون انقطاع، وبجمع ما لا يقل عن مائة ألف وحدة معرفية، وفيها يصل إلى النضج المعرفي، ويمكن له أن يكتب بعد أن يكون قد قرأ في أقل تقدير حوالي ألف كتاب في عشر سنين، أو كما طرحتُها في أكاديمية العلم والسلم الإلكترونية لتلامذتي حوالي 300 كتابا في عشر سنين، بمعدل ثلاثين كتابا كل سنة، بمعدل كتاب كل أسبوعين على الأقل من ذخائر الفكر الإنساني، مثل العبودية المختارة لأتيين دي لابواسييه الفرنساوي، أو الخواطر لباسكال، والمنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي أو فلسفة العلوم للجابري أو محمود العزام، أو قصة الفلسفة لديورانت، أو الإنسان وعلم النفس لعبدالستار إبراهيم، أو وحدة المعرفة لكامل حسين أو دروس من التاريخ لديورانت، أو مستقبل الإنسان أو السلطان لبرتراند راسل، أو المقدمة لابن خلدون، وميلاد مجتمع لمالك بن نبي، أو مذهب ابن آدم الأول لجودت سعيد، والإنسان الكامل أو سيرته الشخصية لعبد الرحمن بدوي.
أما الموسوعات الكبيرة فتحتاج إلى شغل وحفر لمدة ثلاث إلى ستة أشهر مثل غصن الطيب في أخبار الأندلس الرطيب، وتاريخ ابن كثير والأثير، ومختصر دراسة التاريخ لتوينبي، وسقوط الغرب لشبنجلر، ورأس المال لكارل ماركس وانجلز، وتاريخ الأندلس والمغرب لعبد الله عنان، وموسوعة الوردي عن تاريخ العراق والمنطقة. و18 كتابا لابن نبي الجزائري.
وفي قناعتي أنه ليس ذلك الجهد الهائل، فأنا شخصيا أذكر ذلك؛ فعملت ما كنت أعمل في حفظ القرآن من الاستيقاظ الصباحي، وأخذ المصحف في اليد أو في ساعة الغروب، وكلاهما ساعتان يتجلى فيهما الرحمن المنان على عباده بالغفران، فكنت أحفظ ما أستطيع، ولم يكن في نيتي حفظ القرآن كله، فجاء وحده وبمتعة وبالتدريج على غير قصد حتى اكتمل فما زلت أتمتع بمعانيه حتى اليوم؛ فأنا أقرؤه دوريا كل يوم حصة من الذكر الحكيم، فأتمتع وأجيل بصري في لجج محيطه بحثا عن درة جديدة من المعنى، وعلى السالك لهذا الطريق أن يحذر من الأمراض الثلاثة: الغرور والكسل والاجترار. فليس مثل الغرور نفخا، ومثل الكسل شرا وإثما، ومثل الاجترار نكسا ونكصا.
وعليّ شرح مامر وبسرعة:
فأما فكرة السنوات العشر فهي واضحة على القاريء أن يقرا بهمة ونشاط ويودع التلفزيون وبرامج تضييع الوقت فهو في رحلة إلى الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وهذا يعني أن يحضّر نفسه لكتب السنوات العشر وهي على الأقل مئة كتاب، ويفضل وهو الأحسن أن يصل إلى درجة الإحسان فيوصل الرقم إلى 300 أو 500 كتاب.
وأما الوحدات المعرفية فهي ما يسميها علماء النفس (التشنك CHUNK) ويضربون على ذلك مثلا من لعبة الشطرنج، أن اللاعب الذي كوَّن عنده أفكارا حول اللعبة فيدرك المرحلة التي وصل إليها اللاعبان بلقطة واحدة، على طريقة الجشتالت، أي الرؤية الشمولية، وكلمة جشتالت ألمانية تعني الشكل أو التشكل أو الرسمة والهيئة، يقصدون منها أن نظرة واحدة إلى الموقف تخلق ذلك التصور العام المبني على أفكار سابقة.
وهكذا فيمكن للشخص أن يبني وفي حدود مئة ألف وحدة معرفية فيصل فيها إلى رأس سلم العبقرية والهضم المعرفي.
وعلى طريقة القراءة أن يكون صاحيا يقظا حاضر الذهن يلقي السمع والبصر وهو شهيد، فلا يترك عويصا ومستغلقا كما يقول ابن خلدون إلا ويعيد فيه النظر كرتين وثلاثا حتى يفكك المعلومة ويهضمها فتنتقل بذلك إلى نظام الفكر عنده، وينسى أحيانا حتى مصدرها فتنفك عن مكانها الأصلي وتنضم إلى ذاكرة الباحث أو نظام الفكر في مكان جديد؟
مثل على ذلك التفريق بين الفكرة الثنائية وقانون الطيف، أو فكرة الاستحواذ القطبي ورؤية العالم بمنظار سوداوي مظلم؛ فهناك أمور تتولد من حيث لا يشعر صاحبها، وتحدث خلاف مقصود أصحابها، وهو ما يقوله القرآن: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).